ما اجمل الارض من فوق السحاب، تستطيع ان تقيس مدى تقدم اي بلد في العالم بمجرد نظرة واحدة من الطائرة. لا اتعجب حالياً عندما يقولون " إن الذي قام ببناء بلدنا كان في الاصل حلواني" فما اراه من فوق ليس له علاقة بهندسة الطرق من قريب او بعيد، اقترب من الخامسة و الثلاثين منهم عشر سنوات لا افعل شئ في حياتي سوى العمل و تطوير المنتجات، في تلك العشر سنوات سافرت لعدة دول من اجل تبادل الخبرات و العمل و كنت كل مرة اخرج من مطار العاصمة العظيم اسال نفسي لماذا تكون بلدنا مضاءة ليلاً هكذا، تتوهج زهرة اللوتس دونا عن العالم اجمع الساعة الرابعة فجراً، و لكن لم لا، من حق ام الدنيا ان تتزين و تتوهج كما اضاءت العالم سابقا بالعلم و اليوم تستحق التكريم حتى و ان كانت الاضاءة شكلية فقط. رحلة عمل بسيطة الى باريس انتهت بسلام و امان و اعود صباحاً لمدينتي المفضلة، اجد راحة عظيمة في كل الاماكن التي جمعتنا، كل الموسيقى العذبة التي استمتعنا بها، كانت عميلة في شركتنا و كان اول اجتماع يجمعني بها اجتماع عمل لتشرحلي متطلباتها، منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها بالكلام ادركت انها غير عادية، ماذا كان سيحدث اذا قابلتها منذ عشر سنوات قبل ان اتزوج، فلريما لم اكن سأمر بتجربة الطلاق او وجود طفل في حياتي سيعيش مشتتاً بين اب مشغول و ام مجنونة، في السنوات الاخيرة عشت أسيراً لضحكتها، كل تفصيلة صغيرة في حياتي الان لها رابط بها، رابط قد اكون لا اراه و لكنه موجود حتى في اختياري لون الجوارب.
ستقلع الطائرة من باريس في غضون دقائق، اشعر برغبة ملحة في ان اقول لها كل هذا، بمجرد وصولي ساتخدث معها، ساقول لها و ليكن ما يكن، لن اخسر اكثر مما خسرت في حياتي و اعلم انه اذا خسرتها فاني ساخسر فرصة العودة للحياة مرة اخرى و لكن الحياة مخاطرة و تعلمت من عملي ان المخاطرة جزء مهم من الوصول للنجاح و انه من لم يخاطر قط، لم ينجح في حياته قط.
لم علي الانتظار حتى الوصول، ساراسلها الان في الطائرة، ساستعمل الهاتف الذكي في فعل ذكي، ساشغل خاصية استقبال الانترنت و ها هي رسالتي،
" إلى شخص زرع بداخلي نبتة لن تذبل ابداً، الى شخص كان و لازال له تاثير السحر على جروحي القديمة، حياتي قبلك لم تكن هكذا ابداً، لا اريد ان يسرقني العمر بحثاً عنك في شخص آخر، قبلك مت عدة مرات و وجودك منحني قبلة النجاة و الحياة من جديد، لقد بعثت من جديد يوم رايتك تبتسمين في مكتبي، حسناً اني احبك و احب عقلك و احب روحك، قد اكتفى فقط بسماع صوتك طيلة عمري و ضحكتك تكفي ليسري الدم الملكي في عروقي، فقط اردت ان اقول لك ذلك، لا احبك بشدة و لكن احبك بلطف و راحة. امامي دقائق و ساكون فوق السحاب راجياً من اله السماء ان تصلك رسالتي و ان اسمع ردك بقولك " اوافق"، سيكون رائعا لو حدث ذلك و عدت لأجدك في المطار، لن احزن اذا كانت اجابتك سلبية، و لكني ساصبح شتات رجل اذا غابت شمسك، فوجودك يكفي. آراك في عالم جميل من الوانك."
قطع حبل افكاري صوت المضيفة و هي تقول من فضلكوا قوموا بجعل هواتفكم علي وضع الطيران، حسنا يا سيدتي امنحيني ثانية واحدة، ها هو زر الارسال و ها قد ارسلتها، تاكدت فقط من وجود العلامتين كدليل علي وصول الرسالة، و من ثم جعلت الهاتف على وضع الطيران و قمنا بالطيران، طوال ساعة لم يكن يشغلني سوى ردها، و لكن على الاقل ازحت جبلا ثقيلاً و جزء من وحداني ارتاح ايا كانت النتائج.
فجاة و بدون مقدمات رايت المحرك الايمن يشتعل و يخرج منه نار عظيمة، الامر خطير، لقد رايت العديد من الأفلام الوثائقية عن حوادث الطيران و كانت تلك نهاية طائرات عديدة، انطلق صوت قائد الطائرة طالباً منا ارتداء سترات النجاة، بدأ الهلع في الطائرة، ادركت من اللحمة الاولى ان الموضوع لن يستغرق اكثر من ثلاث دقائق، الحمد لله، الحمد لله اني اخبرتها قبل وفاتي، كم عدد المرات التي كنت ساموتها اذا لما ارسل لها تلك الرسالة، كنت ساموت الف مرة في تلك الثلاث دقائق، و لكن الان على الاقل لن انعى هم ردها، فقط سيكون رائعاً اني قلت لها، تنحرف الطائرة بشدة، يزداد الضغط بعنف و صراخ البشر من حولي يصم الآذان، الا تسمحون لي بلحظة صفاء اخيرة، ساقوم بتمنى اخر لحظة سعادة لي في تلك الحياة، قمت بفتح الهاتف مرة اخرى محاولاً استخدام الدقيقة الاخيرة في رؤية رسالة عظيمة، ثلاثون ثانية قبل ان يجد شبكة للاتصال، اسرع من فضلك فالثواني معدودة و بهدوء شديد فتحت التطبيق الذي ارسلت لها من الرسالة لاجد علامة تشير الى انها تكتب رسالة ما، ببساطة كتبت لها، "أحبك، اراك في عالم جديد"
لم اشعر بشئ بعدها لثوان ثم طنين عظيم و لون ازرق كبير، ها انا ارى كارثة من السماء و احلام و اشلاء في كل مكان، ميزت جسدي المتقطع لاجزاء كانت يدي لا تزال تحمل الهاتف، وصلت رسالة منها، طويلة لا استطيع ان اقرأ من هذا الارتفاع، لا يهم اي شئ في تلك المغامرة، كانت اشلاء جسدي على هيئة زهرة لوتس او هكذا تخيلت. بهدوء و انسيابية اختفى كل شئ، اظلم كل شئ الا من طريق طويل الى السماء يغلفه صوتها الرائع وكم سيكون هذا رائعاً لو ان تلك هي النهاية و تلك هي الجنة الى الأبد.
اسطنبول ٢٠١٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق