يرن المنبه في موعده، السابعة و النصف صباحا، شئ ما يمنعني من الخروج من عالم النوم ، لربما هو هو المهرب مما يحدث، يقاوم جسدي الخروج من بوابة الوسادة و الغطاء ، في الغالب لا أستمتع بالإستيقاظ متأخرا، تعودت على توديع النوم مبكرا منذ صغري لأستمتع بالشمس ووهي تخترق الغلاف الجوي لأول مرة كل نهار و لكن منذ بدأت الأحداث الأخيرة و الكسل يداهمني ، مهما كان موعد العمل متأخرا ، فإن الكسل يهاجمني.
تحضرت بغير إكتراث و غلبني الكسل في معركة تحضير فطوري ، يرن الهاتف برقم السائق ليخبرني أنه أقترب من الوصول و أن أستعد للنزول، نزلت في الموعد منتظرا إياه ، غير مكترثا بتأخيري او وصولي في موعدي.
وصل السائق و أوصلني سريعا ، كانت أغنية فيروز " شط إسكندرية" تغلف الرحلة القصيرة. أنزلني أمام باب المصنع العملاق، حلم حياتي سابقا و كابوسي الحالي الذي لا أستيقظ منه.
أخرجت بطاقة الأحلام السابقة لأتمكن من العبور إلى الجحيم بكل سلام كما أعبر يوميا ، لم تستطع قدماي أن تأخذني إلى مكتبي و وجدتها تتحرك نحو المطعم الفاخر الكائن في الدور العلوي للمبنى الأول في تلك المدينة الكبيرة المسماه شركتي.
طلبت فطورا صحيا ، فلا يمكن أن أخسر آخرتي بالقبوع في جحيمهم و أفرط أيضا في صحتي الفانية، خرجت من المطعم محملا بأطباق البطاطس المهروسة دون زيت و السلطة الخضراء و جلست على كرسي وثير أمام طاولة خشبية على سطح المبنى محاطا بصور تدعو للتفاؤل و العمل الجاد و الصراحة دائما ، بدر في ذهني مرض نفسي مريب عمن يتحدثون كثيرا عن مهارة معينة و يبالغون في اظهارها بأنهم يفتقدونها ، كالزوجة التي تحكي دائما عن سعادتها الزوجية و هي تعيسة او الرجل الذي يتباهي بفحولته في نادي الرجال على القهوة ليلا و هو يعاني ضعفا ما ، فليس غريبا ان تتباهي الشركة بالاخلاقيات.
فتحت هاتفي و قررت ان التقط صورة لطعامي الصحي و ان انشرها عبر موقع تواصل اجتماعي مختص بالصور ، فنحن في عالم مريب ، الصور فيه تعبر عن الحقيقة و السعادة نكتسبها من علامات الاعجاب على تلك الصفحات و كأن شرب قهوة مع شخص تحبه لن يكتمل الا بمتعة نشره، تراجعت في اللحظة الاخيرة و قمت من على طاولتي ، نحو سور حديدي مزين بصورة كبيرة لنجم كرة قدم عالمي من بلدي و تحت صورته عبارة " أنت نجم مثله". تبادر الى فكري شئ مثير ، ماذا لو رميت نفسي من خلف هذا السور، في الغالب لن أموت و لكن محاولة إنتحار في مكان كهذا ستبدو فكرة مثيرة و تثير المشاكل عندهم ، لربما تنتهي بإغلاق هذا المكان مؤقتا لحين انتهاء التحقيق ، فتحت أهم مواقع التواصل الاجتماعي و بدات في كتابة جملة واحدة "سئمت من كل شئ هنا" و قاطع خطتي الطموحة لمحاولة الانتحار الفاشلة مسبقا إشعار من احد أصدقاء هذا الموقع، فتاة عرفتها من مؤسسة ثقافية جميلة كنت متطوعا فيها قبل تغيير مدينتي و الذهاب للجحيم طواعية، تشارك معنا نجاحها في عبور درجة الماجستير ، يا الهي ، كم هذا عظيم ، تبدو متألقة ايضا ، هي كذلك دوما و ضحكتها رائعة ، تملك ضحكة تجبرك على الإبتسام في أي ظرف كان حتى و إن كان محاولة إنتحار فاشلة مسبقا.
تراجعت عن الفكرة لأعبر لها عن تقديري لمجهودها الرائع ، جميلة فرحة النجاح، كتبت لها تعليق و تراجعت بقدمي عن السور و التي اخيرا استجابت لاوامر عقلي.
ذهبت بإرادتي للمكتب و فتحت الحاسوب المحمول الخاص بي لاتامل مقطع الفيديو مرة اخرى ، كم هذا عظيم ، ارسلت لها رسالة كم هذا عظيم.
بسرعة فائقة تشبه سرعة الابطال الخارقين وجدت نفسي في محادثة طويلة مع تلك الصديقة الباسمة ، انها تكتب ايضا ، الكتابة الخاصة بها مبدعة ، اقترحت عليها ان أساعدها في تطوير سيرة ذاتية ، لم اشعر بالوقت فانا متحمس ، تحول مكتبي الكئيب لحديقة خضراء و أزهرت صبارة روحي
دعتني لحضور عرض حكي في نهاية الاسبوع، كيف يمكن ان يتغير كل شئ في داخلي بتلك المرونة، كيف بثت كل هذا
الحماس.
انتظرت بفارغ الصبر العرض و حرصت على الحضور باكرا لاستمتع بتلك الابتسامة و ذلك العرض الرائع ، عندما كانت على خشبة المسرح تمنيت لو اتيحت لي الفرصة لاتكلم مثلها ، كان حضورها مميزا و مؤثرا ، بشكل مفاجئ طلبت مذيعة العرض من احد الجمهور ان يخرج لنا و يقوم بعرض هو الاخر، فكرت قليلا ثم نظرت الى بسمتها و لا ادرى هل ابتسمت لي لتشجعني على الظهور ام ان ابتسامتها التي لا تفارقها حسبتها لي، رفعت يدي و خرجت لاحكي ، كنت متوترا و قلقا لا اعرف عن ماذا احكي ، كنت أريد ان احكي عن تلك التجربة الرائعة و لكني وجدتني احكي عن كل شئ يؤرقني بلا ترتيب ، كأن جبلا و قد انهار عندما حكيت ، كأني بعثت من جديد و كأن كل هموم الأرض زالت فقط من بسمة.